من هي بهيجة حافظ؟.. الذي تبرأت منها عائلتها وأفلست بسبب شاه إيران
اليوم الثلاثاء 4 أغسطس، هي الذكرى 112 لميلاد مؤلفة الموسيقى والممثلة والكاتبة والمخرجة بهيجة حافظ. وقد احتفى محرك البحث العالمي (جوجل) بهذه المناسبة، بتغيير واجهته الرئيسية، بصورة بهيجة حافظ.
وتعتبر بهيجة حافظ، أول مخرجة مصرية، وأول من مارس فن تأليف الموسيقى التصويرية للأفلام السينمائية، فهي رائدة من رواد الفن في الزمن الجميل.
كما وكانت بهيجة حافظ، تشق طريقها بصعوبة في المجال الفني، وبعد قصة كفاح ومعاناة طويلة، استطاعت أن تضع بصمتها في السينما المصرية، وعلى الرغم من إثارة أعمالها الجدل، إلا أن حياتها الشخصية وتفاصليها كانت الأكثر إثارة.
بعد أن حازت حافظ على شهرة في عالم الموسيقى، كأول سيدة مصرية تقتحم هذا الميدان، نُشرت صورتها في مجلة (المستقبل) التي كان يصدرها (إسماعيل وهبي المحامي) شقيق (يوسف وهبي)، وقد نُشرت صورتها على غلاف المجلة، بالبرقع والطرحة، وكُتب تحتها عبارة (أول مؤلفة موسيقية مصرية)، حينها كان (محمد كريم) يبحث عن بطلة لفيلمه الأول (زينب)، بعد أن رفض (يوسف وهبي) قيام الفنانة (أمينة رزق) بالبطولة.
وكانت فتاة الغلاف قد لفتت انتباه (محمد كريم)، فعرض عليها بطولة الفيلم، ورحبَّت (بهيجة) بالعمل في السينما بالرغم من معارضة أسرتها الشديدة، لدرجة أن شقيقتها وقفت في السرادق حينها تتلقى العزاء فيها.
كما لم تكتف (بهيجة حافظ) ببطولة الفيلم فحسب، بل قامت أيضاً بوضع الموسيقى التصويرية له، وقد قامت بدور زينب أمام (دولت أبيض) و(علوية جميل) و(سراج منير) و(القادر المسيري) و(زكي رستم) ولأن هذا الدور يعتبر أول علاقتها بالتمثيل، فلم تكن (بهيجة) على دراية بكافة إمكانياته، خصوصاً بأن الدور ـ لكونه صامتاً ـ يحتاج بل يعتمد على التعبير بالحركة والإشارة والتحكم في ملامح الوجه وتقلصاته، لهذا كان (محمد كريم) حريصاً بأن تكون (بهيجة) دوماً بين كبار الممثلين، لتحتك بهم بما فيه الكفاية، حتى تتعلم منهم وتندمج معهم من ثم يكون باستطاعتها إعطاء الانفعالات المطلوبة، والطريف في الأمر إن (محمد كريم) قد استعان في ذلك الوقت بعازف على الكمان ليعزف لها لحناً أثناء التمثيل حتى تستطيع أن تعبر من موقف حزين.
ولدت الفنانة (بهيجة حافظ) في 4 أغسطس عام 1908 في الإسكندرية وتعلمت هناك، ودرست الـ(موسيقى) في باريس. و(بهيجة حافظ) هي ابنة إسماعيل محمد حافظ باشا. وكانت من عائلة تهوى المسيقى فقد كان والدها (إسماعيل حافظ باشا) هاوياً للموسيقى، وقد مارس تأليف الأغاني وتلحينها، وكان يعزف على العود، والقانون، والبيانو, والرق. كما وأن ولدتها كانت تعزف على الكمان والفيولنسيل، بينما أن أخوات حافظ كانو يعزفون على الآلات المختلفة، أما بهيجة فكانت تعزف على البيانو.
وتزوجت الفنانة بهيجة حافظ من رجل لا يحب الموسيقى، وبذلك لم يشاركها هوايتها، لذلك فقد طلبت منه الطلاق، وبعد طلاقها من زوجها وأيضا بعد وفاة والدها لم ترغب بهيجة في البقاء بالإسكندرية، فتركت بيت الأسرة بالإسكندرية وقررت الاستقرار بالقاهرة لتبدأ حقبة جديدة من حياتها.
كما وتعتبر بهيجة حافظ، أول من ألف الموسيقى التصويرية لأفلام السينما المصرية، ومن أبرزها: (السيد البدوي، وزهرة، وليلى البدوية، وليلى بنت الصحراء، والاتهام، والضحايا، وزينب).
ويذكر في مسيرة (بهيجة حافظ) السينمائية إجادتها لكل العناصر السينمائية، فإلى جانب التمثيل والإنتاج والموسيقى التصويرية كانت بارعة في تصميم الأزياء والإخراج، الذي اتجهت إليه بعد اختلافها مع المخرج (ماريو فولبى). فقامت بإخراج فيلم (ليلى بنت الصحراء) الذي يمثل حدثاً تاريخياً في الأوساط السينمائية في ذلك الوقت لما تضمنه من ديكورات ضخمة وأزياء شدت المتفرج وخاصة ملابس البطلة، فضلاً عن الموضوع الذي كان جديدا على الـ(سينما) المصرية. حيث كان أول فيلم مصرى يستخدم اللغة العربية الفصحى بسهولة وسلاسة، وشارك في بطولته (راقية إبراهيم)، و(زكي رستم)، و(عبد المجيد شكرى)، و(حسين رياض). وكما أن هذه الفلم قد رشح للعرض في مهرجان البندقيه عام 1938 ولكنه منع في آخر لحظة لصدور قرار بمنع عرضه داخلياً وخارجياً لما تضمنه من إساءة إلى تاريخ كسرى أنوشروان ملك الفرس وذلك بناء على شكوى واعتراض كانت صادره عن الـ(حكومة) الإيرانية. وعلى الرغم من مكانة هذا الفيلم في تاريخ السينما المصرية إلا أنه كان السبب في إفلاس شركة (فنار فيلم) واضطرت (بهيجة حافظ) للتوقف عن الإنتاج لمدة تصل إلى عشر سنوات لما تكبدته من خسائر نتيجة منع عرضه ومصادرته.
وبدأت بهيجة حافظ، حياتها مع السينما ببطولة الفيلم الصامت (زينب) عام 1930، أمام سراج منير وزكي رستم، إخراج محمد كريم، وكانت أول وجه نسائي يظهر على شاشة السينما المصرية.
والفيلم كانا قد تسبب لها في أشعال أزمة مع عائلتها التي بالرغم من حبها للفن، إلا أنها كانت تنظر إلى الفنانين نظرة دونية، فقالت بهيجة حافظ عن ذلك في فيديو نادر لها: (عندما عملت في الموسيقى كان أهلي رافضين، فبعدها اتعرض عليا فيلم (زينب)، فعملته وقلت زي بعضه طالما هما زعلانين أعمل الشغلانة دي بالمرة، ولما الفيلم اتعرض في مصر حقق نجاحًا كبيرًا جدًا، وأهلي قاطعوني ومش أهلي بس كل الناس في إسكندرية اضطهدوني ومحدش كان بيسلم عليا).
وأضافت بهيجة حافظ: (لما الفيلم اتعرض في الإسكندرية، والدتي قالت ودوني أشوف بنتي أنا مشفتهاش من ثلاث سنين، فجابوها عشان تشوفني، لما شافت مشهد موتي في الفيلم، أُغمى عليها، افتكرتني مت بجد، وفضلت تقول بنتي ماتت، فنزلتلها وقولتها انا هنا يا ماما).
من جانبه علق الناقد مجدي الطيب، على احتفاء محرك البحث العالمي (جوجل) بالمبدعة بهيجة حافظ، بأنه يُعد فكرة للمهرجانات السينمائية؛ حيث إن الممثلة والمخرجة والكاتبة المصرية بهيجة حافظ، أول امرأة قامت بتأليف الموسيقى التصويرية للأفلام في السينما المصرية، مشيرًا إلى أنها واحدة من أوائل الرائدات في صناعة السينما، وأكثرهن ثقافة؛ حيث لم يقتصر عملها على الإخراج والتمثيل وتأليف الموسيقى فحسب، وإنما عملت في مجال المونتاج وتصميم الأزياء السينمائية، و الكتابة، وولدت بحي محرم بك بالإسكندرية، ودرست في مدرسة الفرنسيسكان، ومدرسة المير دي ديو، قبل أن تسافر إلى فرنسا، وعمرها 15 سنة، وحصلت على شهادة جامعية من الكونسرفتوار في الموسيقى عام 1930.
وألمح الطيب، إلى أن بهيجة حافظ هي ابنة إسماعيل باشا حافظ ناظر الخاصة السلطانية، في عهد السلطان حسين كامل، وقريبة إسماعيل صدقي، رئيس وزراء مصر في عهد الملك فؤاد الأول.
ومن ناحية أخرى، كشف المؤرخ السينمائي محمود قاسم، عن إن فيلم (ليلى بنت الصحراء)، تسبب في أزمة بين الأميرة فوزية وبين (شاه إيران)، وتدخل الملك فاروق لحلها بوقف عرضه، فالفيلم كان يدور حول الحرب ما بين الفرس والعرب، وأن ليلى، بطلة الفيلم التي جسدتها بهيجة حافظ، أسرها ملك الفرس وعذبها.
وقد أنفقت بهيجة حافظ، نحو 18 ألف جنيه مصري، وهو مبلغ ضخم وقتها، كتكلفة لإنتاج الفيلم، وبعدما أوقفه الملك فاروق، تعرّضت شركتها للإفلاس فاضطرت للتوقف عن الإنتاج السينمائي لمدة عشر سنوات.
وفي عام 1944، قد تم عرض الفيلم ولكن باسم آخر وهو (ليلى البدوية)، ولكنه لم يحقق صدى، على الرغم من فوزه بإحدى الجوائز الذهبية في مهرجان (برلين الدولي) والإشادة التي هللت بها الصحف للفيلم.
في حين، أكد الناقد طارق الشناوي، على إن بهيجة حافظ أكتر شخصية مظلومة في تاريخ السينما العربية كلها؛ حيث أنها خسرت كل شيء، ورغم أنها تنتمي لعائلة ثرية، إلا أن حبها للسينما جعل عائلتها تتبرأ منها، وكان صلاح أبوسيف ذكيًّا عندما استعان بها في فيلم القاهرة 30 في المشهد الملون الموجود بالفيلم.
ولفت الشناوي، إلى أن بهيجة حافظ عاشت في مأساة لدرجة أن هناك بعض الأقاويل التي ترددت حول اكتشاف وفاتها بعد مرور يومين؛ حيث إنها عانت الوحدة والعزلة.
ظلَّت (بهيجة حافظ) طريحة الفراش لسنوات طويلة، لا يطرق بابها إلا القليل من معارفها، حتى اكتشف الجيران وفاتها بعد يومين من وقوع الوفاة. وحضرت شقيقتها سومه وابن شقيقها من الإسكندرية وقد شُيعت لمثواها الأخير دون أن أيكون في جنازتها أي أحد من الفنانات أوالفنانين. ودفنت في مدافن الاسرة في القاهرة، ولم يتم كتابة النعى في الصحف أو حتى إقامة العزاء ليلاً.
وكان رحيل (بهيجة حافظ) في صمت، بعد أن عاشت شبابها بين أضواء النجاح والشهرة، وهي التي جعلت من بيتها مزاراً لمحبي الفن والأدب والموسيقى، وكثيراً ما استضافت الوفود الأجنبية من الفنانين والكُتّاب واحتفت بهم في بيتها هذا، إلى أن حولته فيما بعد إلى جمعية ثقافية استمر نشاطها حتى رأت حلها في عام 1968. ويذكر أن بهيجة حافظ، قد توفيت يوم 13 ديسمبر عام 1983، بالقاهرة عن عمر يناهز 75 عامًا إثر تعرضها لأزمة قلبية.
أقرأ أيضا:
إرسال تعليق